انتشرت فى هذه الأيام ظاهرة سيطرت على عقول الناس، الكبير منهم والصغير، الرجل فيهم والمرأة، فملكت لبهم، وحركت أفئدتهم ومشاعرهم، حتى باتت حديث البيوت والشوارع والمقاهى، إنها ظاهرة برامج المسابقات التى انتشرت كالنار فى الهشيم، تطل علينا فى كل لحظة من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ومن بين سطور المجلات والصحف، واستحدثت لها برامج متخصصةـ أبدع فيها المتخصصون مستخدمين أحدث وسائل التكنولوجيا فبهروا الأعين وسلبوا الألباب.
وفى ظل تضاعف قوة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فى السنوات الخيرة من ناحية إتقانها لوسائل التأثير على الناس ودرجة إلحاحها على أذهانهم، فضلا عن عدد الناس الذين تستطيع أن تصل إليهم استطاعت هذه الوسائل أن تدخل كل بيت نموذجا من هذه المسابقات، فأصبح مشدودا بها مرتبطا بمواعيدها، ينظم مواقيته وأعماله حتى لا تتعارض معها، والكل يحلم بالفوز بجائزة من جوائزها فإن أخفق مرة لم ييأس وحاول بعدها مرات ومرات، وإن أخفق فى إحداها بحث عن غيرها، فهم أشبه بالأطفال الصغار فى (محل اللعب) فيه ألف صنف وصنف يمسكون بلعبة – ثم يلقونها ليتناولوا لعبة أجمل فى عيونهم وأسطع بريقا – ثم ما يلبثوا أن يضعوها من أيديهم ليمسكوا أبدع منها وكذلك يفعلون وقد يخرجون بأتفه لعبة أو ينصرفون صفر الأكف خائبين محرومين، وهذا ما نشاهده اليوم، فكثير من هؤلاء الواهمين يقولون إن الفوز بإحدى هذه الجوائز هو غاية المنى، فيعيش فى خيال يبتدعه الوهم، وهؤلاء لو عرفوا الحقيقة لوجدوا أن الجوائز الحقيقية بين أيدينا وقد غفلنا عنها وقد يتساءل الإنسان ماهى هذه الجوائز؟ وكيف أتذوق لذائذ الفوز بها؟ ونسى أن هناك لحظات ينال فيه بعض هذه الجوائز ولا يستطيع أحد أن ينكرها: أينكر أحد هذا الإحساس الذى يشعر به:
العبد الخاشع بين يدى ربه، والعالم فى فجر اكتشاف جديد، والطالب حين يصل إلى هدفه ويحقق مبتغاه، والطبيب حين يشفى الله مريضه على يديه، والعامل حين ينجز عمله فينال إحسان رئيسه، والمرأة حين تسمع مناغاة وليدها بين يديها، ورب الأسرة وسط أبنائه الباسمين المفعمين بالصحة والعافية.
الحقيقة أننا نعيش فى حياة مليئة بالجوائز ولكن لابد أن ندرك تلك الجوائز وكيفية الفوز بها أو بأحدها فكم من أناس لا يدركون ذلك؟
روى أن رجلا سأل عبد الله بن عمرو بن العاص: ألست من فقراء المسلمين؟ فقال عبد الله: ألك امراة تأوى غليها؟ قال: نعم، قال : ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لى خادما، قال: فأنت من الملوك.
فبعض الناس يستهين بما أولاه من سلامة وطمأنينة فى نفسه وأهله وقد يزدرى هذه الآلاء العظيمة ويضخم آثار الحرمان من حظوظ الثروة والتمكين، فما أغلى العافية التى تسرى فى أوصالنا وما أثمن القوى التى زودنا الله بها وما أشهى الثمار التى نقطفها، لو أحسسنا استغلالها ولم نهدر قيمتها.
ولكن الواقع اليوم يبين أن الجوائز الإيمانية بهتت وغابت فى كثير من الأحيان، والجوائز الدنيوية تنمو حتى تعلو وتسيطر وتتحكم وساد الصراع والتنافس عليها والمزاحمة للحصول عليها، وغاب الإبداع فى ميدان التنافس على جوائز السماء.
فما أعظم هذه الجوائز، وهى لاتقتصر على جوائز الآخرة فقط، بل تكون فى الدنيا والآخرة، ولكن جوائز الدنيا مهما عظمت فهى بجانب جوائز السماء ضئيلة لا تقارن ولا قيمة لها، فقد قال الله تعالى: ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
وروى مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة: فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير فى يديك، فيقول: هل رضيتم، فيقولون: وما لنا لا نرضى يارب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: ياؤرب وأى شىء أفضل من ذلك، فيقول: أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا فلو بحث الإنسان حوله لوجد أن هناك فرصا عظيمة وأسبابا كثيرة تحقق له الفوز بجوائز السماء.
وشهر رمضان الذى نسأل الله أن يبلغنا إياه من أهم الأسباب وأعظم الفرص التى يمكن انتهازها واستغلالها للفوز بهذه الجوائز، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ألا إن لربكم فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها.
يقول الحسن البصرى (إن الله عز وجل جعل رمضان مضمارا لخلقه يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته: فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاهى فى اليوم الذى يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون).