مبارك وولديه خلف القضبان يقفون فى مواجهة القانون وصوت العدالة، منذ شهور قليلة كان جمال مبارك يزهو بنفسه وبحزبه المنحل، الذى استطاع أن يفوز بمقاعد البرلمان شبه كاملة، وكان بجواره صبيه وتابعه أحمد عز، الذى كان يتحمل مصاريف البلطجة وإرضاء سيده من الملايين، التى سرقها من قوت المصريين
كان الفرعون الكبير والفرعون الصغير واثقين من أنهم سيستمرون، ولن تتغير بهم الأيام، شعروا أن الأمور كلها بيديهم وأنهم يصنعون أقدار البشر، ويختارون لهم شكل حياتهم حسب مزاجهم وأهوائهم، سطوا على دولة بأكملها وعاونهم أشباه الرجال، الذين كانوا ينافقونهم طول الوقت ويضفون عليهم صفات الألوهية ما بين أساتذة جامعات وأكاديميين ومثقفين وصحفيين وإعلاميين شاركوا فى مسيرة الغى وصناعة الإله، وانتهاء بعصابات أمن الدولة، التى قمعت الشعب وزرعت فيه الخوف والسلبية وأصبحت لا تحمى أمن الوطن بل أمن الرئيس الذى صار هو الوطن!
باع هؤلاء أنفسهم للشيطان من أجل منصب ومال ونفوذ، وارتضوا النفاق وتجميل المسخ المشوه وترديد الأكاذيب، كنت أعجب لبعضهم من أساتذة القانون، الذين تدرس كتبهم القيمة فى كليات الحقوق وإذا بهم يستغلون علمهم هذا فى طمس الحقائق وعمل تشريعات مشوهة تنافى العدالة وتقتل الحرية، وكذلك بعضهم من أساتذة العلوم السياسية، الذين كانوا يعلمون علم اليقين أن هذا النظام هو أحد أسوأ النظم السياسية فى العالم، ومع ذلك كانوا يتشدقون بديمقراطيته المزعومة ونزاهته وبعد نظرة وعمق رؤيته جند الفرعون هذه الكتيبة المميزة من المنافقين، وأطلقهم على الشعب ليمارسوا تزييف العقول وتبرير الخطايا التى يرتكبها كل يوم فى حق الوطن.
أصبح الوطن كله يعمل لخدمة سكان القصر والبلد كله يتوقف إذا قرروا هم التحرك والمشى فى الشوارع، جعلوها ملكية فى شكل جمهورية وجهزوا الوريث ليرث ملك أبيه فى وطن مستباح ومستسلم للقمع والقهر والهوان.
لم يغير المرض من عناد الفرعون، فقد ظن نفسه إلها، والإلهة لا تموت، أرسل الله إليه كثيرا من الرسائل ليستفيق ويغير من حاله إلا أنه أبى واستكبر وكان من الظالمين، كان يتعامل مع الشعب كعبيده، الذين سيظل يملكهم حتى آخر نفس يتردد فى صدره لأنه قدرهم الذى لن يتغير.
واستمر عناده حتى آخر لحظة، وهم يقولون له فى قصره فى اللحظات الأخيرة ارحل قبل أن يدخل عليك الشعب، ويقتلك هنا فيقول بغبائه المعتاد لن أمشى من هنا، وليقتلونى لأكون شهيدا، نعم يفعل الطغيان بالطغاة أكثر من ذلك، وانتهى ملكه وسقطت سطوته ليرى ذلا بلا حدود يكافئ ما صنعه بشعبه، هل كان يتخيل يوما أن يجلس ذليلا صاغرا يرفع يديه وصوته ليقول أنا هنا يا افندم فى حضرة القاضى؟ هل كان يتخيل أن يقف ولداه منكسى الرأس يتفحص وجوههما ملايين البشر وهم يطالعون وقائع محاكمة عصابة القصر؟
هل تخيل يوما أن يهرب من حوله كل المنافقين ويخرجون اليوم ليحكوا عن غباوته وإجرامه واستبداده ويكونوا أول من يفضحه؟ هل تخيل يوما أن تكون نهايته بهذا الذل والصغار؟
ويل لمن يتعاطف مع سفاح قتل شعبه بالمبيدات المسرطنة، ويل لمن يتعاطف مع مجرم أمر بإطلاق النار فى صدور شباب وطنه وعيونهم ليموتوا فى عمر الزهور وليفقدوا عيونهم ويعيشوا دوما فى ظلام، ويل لمن يتعاطف مع لص سرق مقدرات الوطن وثرواته وجعله من أفقر شعوب الأرض، لم يرحمنا كى نرحمه، لم يتركنا كى نتركه، لا نريد الانتقام ولكن نريد العدل، دم بدم ونفس بنفس وعين بعين، أن شنقه ألف مرة لن يعيد الأرواح الطاهرة، التى صعدت لربها إلى الحياة، لا نستطيع أن نعفو فقد ملأت المرارة القلوب، العدل ولا سواه.