سيسجل تاريخ مصر الحديث بأحرف من نور يوم الاثنين الموافق الثامن والعشرين من نوفمبر لعام ألفين وأحد عشر كميلاد حقيقى لشعب مصر، الذى انتفض بكامل فئاته وطوائفه شبابا وشيوخا رجالا ونساء كى يثبت للعالم كله ريادته فى الديمقراطية وقدرته على صنع القرار وأهليته للحرية، التى نادى بها.
جاء صوت الأغلبية الصامتة مدويا ونزل كالصاعقة على رؤوس المخربين الذين نصبوا أنفسهم حماة لهذه الثورة وانزوى فى منأى عن الشعب، معتقدين أن الميدان هو أرض الثورة المقدسة المحرم المساس بروادها، وتناسوا أن ثورة الخامس والعشرين من يناير قامت لإسقاط نظام فاسد، ولم تقم للعبث بمقدرات هذا الوطن وإثارة الفتن واستغلال هذة الرقعة، التى كانت مهد الثورة التى نجنى ثمارها الآن، لتحقيق أهداف ومطامع شخصية واستخدام الميدان كجلاد للديمقراطية.
المجلس العسكرى الذى نادى معتصمو التحرير قبيل أيام بسقوطه أثبت للسواد الأعظم من شعب مصر أنه حامى الشرعية الثورية وأهل للثقة التى أولاها له هذا الشعب العظيم، فلقد وقفت القوات المسلحة الباسلة يدا بيد مع قضاء مصر النزيه ليضربوا أروع آيات البطولة من خلال إدارتهم لأعظم تجربة ديمقراطية شهدتها البلاد منذ قيام ثورة يوليو رغم كل التحديات التى كانت تنذر بحدوث كارثة من جراء عقد هذه الانتخابات فى ظل الأحداث العصيبة التى تشهدها البلاد حاليا.
سجلت هذة الانتخابات العديد من الشواهد لعل أبرزها هو أن هذا الشعب هو أذكى شعوب الأرض فلن تستطيع خداعه أو اقتياده فهو يعى ويعلم جيدا من عدوه ومن حبيبه، كما أثبتت التجربة أن ميدان التحرير وكافة ميادين الجمهورية لا تعبر كليا عن رأى الشعب، بالإضافة إلى ذلك هو أن الفضائيات فى معزل كامل عن نبض الشارع.
لقد أجمع العدو قبل الصديق على أن هذه الانتخابات نزيهة بالفعل وأن مصر هبة جيشها وقضائها، فالعملية الانتخابية تمت بمنتهى الحيادية والشفافية وبمستوى عال من الحرفية وأن جموع شعب مصر ليسوا مثيرى فتن أو مخربين وأن كل الحوادث التى عصفت بالبلاد منذ قيام الثورة، وحتى الآن إنما كانت مخططا لإجهاض الثورة والعصف بهامتها المتمثلة فى جيشها والتشكيك فى نزاهة قضائها لإشاعة الفوضى.
إن هذه الروح التى ظهر بها شعب مصر تنبئ بخروج البلاد من نفق التبعية إلى آفاق الحرية، فشعب مصر الذى دائما ما يفوز فى أى رهان للتحدى عليه أن يستثمر هذه الروح لتطهير مصر من الفلول وأبطال الورق حتى نتفرغ جميعا لبناء مصر الجديدة، ولنترك الميدان حتى يلفظ كل المخربين ومدعى البطولة لبقى ميدان التحرير ملاذا لثورة الحق لا الباطل.