إن المعلم ـ عامة ـ يتولى أجل الأعمال وأعظمها، ولقد صدق أمير الشعراء، حين قال:
قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا
لكن معلم اللغة العربية ـ خاصة ـ يحتل المكانة السامية بين المعلمين، والمقام الرفيع، والدرجة العليا، فمعلم العربية لا ريب فى أنه صفوة الصفوة وقائد القادة بين العاملين.
إن معلم العربية لا يعلم مادة كسائر المواد، وإنما يعلم اللغة، وهى كما قالوا عنها رواد التربية والتعليم "وعاء يصب فيه جميع المواد ويستوعب الحقائق والخبرات الإنسانية تفكيرا وتعبيرا".
ومن هنا فإن مكانة معلم العربية من مكانة العمل العظيم، الذى يؤديه، وهو تدريس لغة قومية للناشئة، ونقلها إلى الأجيال، وتدريس لغة بدونها لا نتلوا القرآن، ولا نعرف أحكامه، وتدريس لغة بدونها لا يصيب أى تقدم فى أى مادة دراسية أخرى، وهذا ما انتهت إليه التجارب العلمية للتربوبين، إن الطفل الذى لم تتح له فرصة تعليم العربية السليمة، عرضة لتعليم العربية الرديئة، بل أنه عرضة لا كتساب عادات رديئة فى التفكير نظرا للارتباط الوثيق بين اللغة والفكر، ويعنى هذا أننا حينما نعد معلم العربية فإننا لا نعد معلم لمجرد مادة دراسية، وإنما نعد المعلم الأساسى الذى تقوم على أكتافه العملية التعليمية ككل، تلك هى مكانة معلم اللغة فى البناء الحضارى للأمة، لأنه يحمل أمانة حماية اللغة ونقلها سليمة إلى الأجيال.
لكن للأسف الشديد، أن هذا التصور المثالى للمعلم العربية بعيد كل البعد عن الواقع الموجود فى البلاد العربية الآن، لأن معلم اليوم ما هو إلا تلميذ الأمس، وهذا كما نعلم أنه تعلم فى ظروف سيئة وسط أعداد هائلة من التلاميذ دون أن يجد الفرصة الكافية للتدريب واكتساب المهارات العملية فى الاستعمالات اللغوية، وتعلم أيضا فى ظلال مناهج لم تحقق الهدف أو إدراك الغاية المرجوة منها، ومقتضى هذا أن معلم اللغة العربية بما هو عليه الآن جزء من المشكلة التعليمية، لأن فاقد الشىء لا يعطيه، ولأنه منذ أن دخل المدرسة حتى تخرج من الجامعة بعيد عن ذوق اللغة أو اكتساب ملكيتها، فلم يسلم له قلم، ولم يصح منه لسان، فكيف يعهد إليه تدريس اللغة؟ وماذا عسى أن يعلمه للتلاميذ؟ وأن هذا يؤكد أن أكثر من يعلمون العربية اليوم لا يعرفونها، فكيف يعلمونها؟
هذه هى القضية وتلك هى المشكلة، التى ينبغى بل يجب بعد ثورة عظيمة أتت على أرواح الشهداء، وقدمت مصر فلذات أكبادها من أجلها، أن تتضافر الجهود وتتسابق الهمم وتخلص النوايا وتخلص الغايات فى حلها، وتتجاوز أثارها المدمرة، لأنها قضية الذات، ولأنها قضية من قضايا الأمن القومى للبلاد، فمن هانت عليه لغته هانت عليه كرامته، ومن فرط فى لغته فرط فى عرضه، ولا حضارة بدون لغة ولا تقدم بدون لغة سليمة، يعلمها معلم جيد وقادر على نقلها إلى الأجيال بشكل سليم ودقيق، ولا تقرب إلى الله ولا إلى كتابه إلا بمعرفة لغة القرآن معرفة دقيقة.