القضاء فى الإسلام يعد من أعلى المراتب، لأنه وببساطة شديدة سيف العدالة القاطع، فهو الملاذ الأخير للمظلومين والضعفاء للحصول على حقوقهم المسلوبة، ومن أجل ذلك فالقاضى يعتبر بمثابة ميزان العدل فى أى مجتمع، فلا تستقيم أمور الدولة إلا بقضاء عادل، ولا تنصلح أحوال المجتمع إلا بقاضٍ نزيه، ولأن القاضى بشر فمن الطبيعى أن يخطئ أحيانا، ولكن خطأه ليس كأى خطأ، حيث يترتب عليه ضياع حقوق، أو أرواح تزهق بلا جريمة، لذلك فقد كان سيدنا عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه (خامس الخلفاء الراشدين) يدقق فى اختيار القضاة حتى لا يُبتلى الناس بقاضٍ يتخبط فيهم بغير حق، وكان يشترط فى القاضى خمسة شروط أساسية، فلا ينبغى للقاضى أن يكون قاضيًا حتى تتوافر فيه هذه الخمسة: أولها أن يكون عفيفا، حليما، عالما بما كان قبله، يستشير ذوى الرأى، لا يبالى ملامة الناس. لأنه سيسأل ذات يوم من رب الناس – هل حكمت بالعدل، وهل حكت بما أنزلت؟
فالقضاء العادل لا يفرق بين وزير وغفير، ولا يهتم بالأسماء والمناصب، فالكل أمام القانون سواء، وهذا جزء من عدل الله فى الأرض.
ولكنى وبكل الحب والتقدير للقضاء المصرى، أعتب على بعض القضاه الذين أساءوا إلى قدسية هذه الرسالة السامية بانغماسهم فى العمل بالسياسة والظهور بأدوار ليست أدوارهم على الإطلاق، وحديثى هنا من منطلق حبى وتقديرى لقدسية هذه الرسالة وللقائمين عليها وليست موجهة لأحد بعينه، فالقاضى هو واجهة مشرفة وقيمة كبيرة وقامة لا ينكرها إلا جاحد، كلماته محسوبة عليه، وأرائه لابد أن تكون فى صميم القانون والدستور، فيجب أن يكون منزها عن أية ميول أو انتماءات سياسية أو حزبية، فلا يستمال بمنصب أو مال أو جاه أو شهرة، فالقاضى يجب أن تكون شهرته نابعة من عدله وجهده فى إصدار أحكامه، لا يهمه من ينتقد أو يشكك ما دام يضع فى قرارة نفسه أنه اجتهد فى تطبيق كتاب الله وسنة رسوله واجتهاده فى إقرار العدل المنشود.
إن القاضى العادل كما ذكر الإمام الغزالى، هو من يكمل بنزاهته نقص القانون الذى يحكم به، أما القاضى الجائر فهو يستطيع الميل بالنصوص المستقيمة – ولأن القضاء هو دولة العدل، وعدل الدولة فى القضاء، فالميزان الذى تتساوى كفتيه كان شعاركم وهو دليلا على العدل، فإذا ما مالت إحدى كفتى الميزان مالت الدولة وسقط المجتمع، فالكل يعلم أن "دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة" فما دمتم تتقون الله وتحكمون بالعدل، فلا يشغلكم من يحاول النيل منكم أو من استقلالكم، استعيدوا هيبتكم التى نعرفها ونعيها جيدا، وابتعدوا عمن يحاول الزج بكم فى معترك السياسة القذرة التى لا تتوافق مع قدركم ومكانتكم، فالسياسة ما هى إلا خدع ومناورات ومساومات وفى بعض الأحيان اتفاقيات مشوبة بالعوار والعيب والنقصان، لا تجعلوا من البعض منكم سبة فى جبينكم، فهناك من لا يهتم بقدسية هذه الرسالة قدر ما يهتم بالصخب الإعلامى والشهرة والظهور بمظهر لا يليق بقاض، ابتعدوا عن كل من يسيئ إليكم حتى لو كان منكم، وستجدون ساعتها أن كل الشعب من خلفكم يدعمكم ويساندكم ضد أى عدوان يفكر فى النيل منكم أو من استقلالكم.
أناشد كل قضاة مصر، يا من تتحصنون بالدستور والقانون ومن قبلهما شعب مصر الآبى مصدر السلطات والمدافع الأول عنها وأذكركم بأن: العدل أساس الملك مصداقا لقوله: "إنّ اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها * وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" فالعدل يوفر الأمان للضعيف والفقير، ويُشْعره بالعزة والفخر، العدل يشيع الحب بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم - العدل يمنع الظالم عن ظلمه، والطماع عن جشعه، ويحمى الحقوق والأملاك والأعراض- ولن يتحقق العدل إلا من خلال القضاء الذى هو بحق سيف العداله الذى يقتص من الظالمين فى كل زمان ومكان.